لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ

يقول الله تعالى: { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ } هذه الآية الجليلة تضع أيدينا على حقيقة كبرى من حقائق هذا الوجود ، وتمنحنا استبصاراً بشأننا العام ، لا يليق بنا أن نتجاوزه دون أن يملأ حياتنا بمعنى جديد
1- إن نسيان الله تعالى يكون على مستويين : مستوى ضعف صلة المسلم به ، وتبلد أحاسيسه ومشاعره نحو خالقه جل وعلا ومستوى الإعراض عن هديه واستدبار منهجه . لذا نجد أن هناك الكثير من النصوص التي تحث المسلم على أن يكون كثير الذكر والمراقبة لله تعالى حتى يصل إلى مرحلة الحب له والاستئناس بذكره ، وقد قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وفي الحديث الصحيح : (مثل الذي يذكر ربه ولا يذكره كمثل الحي والميت) فكثرة الذكر تولّد الحياءَ منه وحبه ، وتنشّطه للسعي في مرضاته و تملأ قلبه بالطمأنينة والسعادة ؛ لينعم بكل ذلك في أجواء الحياة المادية الصاخبة .
2- هناك مستوى آخر من نسيان الله جل شأنه يتمثل في تخطيط شؤون الحياة بعيداً عن الاهتداء بكلماته ، والتقيد بالقيود التي فرضها على حركة عباده . وهذا في الحقيقة هو النسيان الأكبر .وعند تقليب النظر في واقع أمة الإسلام اليوم نجد أن نسبة محدودة من المنسوبين لهذه الأمة تلتزم على نحو كلي بفعل الواجب، وترك المحرمات فيه ، فنحن لا ندري الاتجاه الذي تسير فيه تلك النسبة المحدودة من الملتزمين : هل هو النمو ، أو الانكماش والانحسار ؛ لكن من الواضح أن العديد من القيم والأخلاق الإسلامية العتيدة بدأ يفقد التأثير في ضبط السلوك ، وتكوين المواقف ؛ لأسباب عديدة .
3- إن الآية الكريمة صريحة في أن نسيان الله تعالى كان سبباً مباشراً في جعل المرء ينسى نفسه ، وكأن الذي يضيّع نفسه في عاجلها وآجلها ، يضيّع الدنيا فتلفه المشكلات من كل صوب ، ويضيع الآخرة بخسران النجاة والفوز بالجنة . و نسيان النفس ليس على درجة واحدة ، وإن الضرر الذي سيلحق الناس سيكون بالتالي متفاوتاً ، وعلى مقدار النسيان والتضييع لأمر الله تعالى سيكون التضييع للنفس والدنيا والآخرة و خسران الآخرة للذين ينسون الله ، واضح المعالم ، لكن التضييع لأمر الدنيا هو الذي يحتاج إلى نوع من البيان ، ولعلنا نجلوه في النقطتين التاليتين :1- إن عصر المعلومات الذي يظلنا الآن سيكون والله أعلم أقصر العصور الحضارية ، وسوف يعقبه عصر آخر ، هو عصر (الفلسفة) وبحث المسائل الكلية وإنما نقول ذلك ؛ لأن قراءة التعاقبات التاريخية ، تنبئنا أنه حين تصل حالة مّا إلى حدود متقدمة ، تبزغ من الطبيعة البشرية حالة مضادة لها ؛ فحين تشتد العقلانية أو التقنيّة في أمة ، فإن أشواقاً تنبعث لكسرها ، فينبثق من العقلانيّ العاطفيّ ، ومن التقنيّ الفلسفيّ والفكريّ ، إنه أحد مظاهر سُنّة التوازن التي بثها الخالق جل وعلا في هذا الكون ! وحين تصير البشرية إلى هذه المرحلة ، سيكتشف الذين نسوا الله ، أنهم لا يملكون أي جواب جازم ، بل سيجد الغرب على نحو خاص أنه قد أحرق كل سفن العودة إلى (الوحي) وهو المصدر الوحيد الذي يجيب على تلك الأسئلة . والملاحظ بقوة أن الحضارة الحديثة بصبغتها المادية ، قد نقلت مجال السيطرة من الإنسان إلى الأشياء ، حيث أضعفت إرادة البشر ، وأحاطتها بكل ما يخل بتوازنها ، وهذا يعني أن الحضارة الغربية ببنيتها الحاضرة ليست مؤهلة للنهوض بالإنسان وإذا كنا نعتقد أن الطبيعة البشرية واحدة ، فهذا يعني أن غايات وجودها يجب أن تكون واحدة ، وهذا هو منطوق الوحي ، وهذا ما لا يبصره الإنسان العلماني اليوم ولن تكون الأسئلة المثارة أصيلة إلا إذا كان لها أجوبة موجودة عند جهة مّا وهذه الجهة لن تكون أبداً الإنسان ، فمن تكون إذن ؟ ؟ إن العقل البشري خلقه الله تعالى ليكون في الأصل عقلاً عملياً ، وسيكون الأمر مضحكاً إذا عمدنا إلى تشغيل العقل البشري وتحسين طروحاته وعمله, بشيء من منتجاته التي تولى تنظيمها الفلاسفة ، وهم الذين لم يفلحوا في الاتفاق على أي شيء ! إن نسيان الله تعالى قد أفسد النسيج الإنساني كله ، وحين يفسد النسيج العام ، فلن يكون ثمة فائدة تذكر من وراء التعليم والتدريب والتربية ، وكيف يمكن إصلاح خبز فسد طحينه ؟ 2 - إن مهمة المصلحين إذا ما أرادوا الاستجابة لدعوتهم أن يُنضحوا من التعاليم الإسلامية ما يمزجونه بالخيال الخصب والخبرة البشرية, من أجل توفير الظروف التي تجعل الناس أقرب إلى الالتزام وأن الدنيا دار ابتلاء لذاعلينا أن نختار ما يصلح أحوالنا ،فلكل عصر اختياراته واجتهاداته والعقل بطبيعة تركيبه لا يستطيع أن يعمل في أي مجال إلا إذا أُسعف بإطار توجيهي يهيئ له مقدمات, والمنهج الرباني هو الذي يوفر ذلك, ففي مجال التربية الاجتماعية نجد أن الشريعة حددت لنا محاور أساسية (الضرورات الخمس )، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال ، وقد تكفّل الفقه الإسلامي بتوفير الأحكام والأدبيات التي ترسم حدود الحركة التربوية في ظل هذه المحاور ووضحت المرتبية التي يجب اتباعها عند ضرورة التضحية ببعضها لحفظ الآخر,فالشأن التربوي لدينا أفضل مما هو موجود لدى دول كثيرة متقدمة عمرانياً إن محنة العقل الذي نسي الله لم يحن أوانها بعدُ,ولكن إذا وصل النمو الاقتصادي إلى حدوده القصوى وعم ضنك العيش ، فسوف يرى كل المعرضين عن دين الله أن مالديهم ليس أفضل ما أنتجه العقل البشري ،.وأن الإنجازات الحضارية وسعادة الأفراد ، سيكون على حافة الهاوية إذا لم يضئ كل منعطفات الطريق شعاع من الغاية الكبرى ، وإذا لم تتلفع جميعاً بهدي من هدي الله.

مشكوررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررة

عين على هذه المساهمات الرائعة والمفيدة

مع تمنياتي لكي بالنجاح

مجنون بحبك